Thursday 10 June 2021

جبور دويهي بين سحر الرواية وسحر الشعر

جبور دويهي بين سِحرُ الرواية وسِحرُ الشعر

     

يسود روايات جبُّور دويهي، أو يغشاها، جوٌّ احتفائيٌّ بالشعر، وآخر يبتعد عنه، ساخر من الشعراء وهواة القصيد، حتّى ليتساءل القارئ: أهُما جِواءان؟ أيٌّ يغلِّف الآخر وأيٌّ منهما يحتوي موقف الكاتب الحقيقيَّ؟ 

"...رفعت صوتها لتسمع الندّابة: 

-       جودي يا بديعة، قَولِك حلو!

وكأنَّها تبلغها أنَّ لعبتها مفهومة فما عليها إلّا أن تتوقَّف عن الثرثرة وتسرع في ما جاءت من أجله"[1]

 

وهكذا يبين "القول الحلو" ثرثرة ذات مآرب. الندب أدنى طبقات الشعر، والثرثرة الغرضيَّة أكثر الاتِّهامات سطحيَّة، لكن في إيجاز المقطع ازدواجيَّة الموقف.

ليس الشعرُ الفنَّ الوحيد الحاضر في رواية الدويهي. النحت مذكور وقد استُخدِم تمثال بيتهوفن أداة للجريمة في ريّا النهر (1998) وهي رواية تدور بكاملها حول رسّام، كما لعبت لوحة لشاغال دورًا مهمًّا في ملك الهند (2019). الباليه له دورٌ في العشق وتحديد الهوية الجنسيَّة ومحوها في حيِّ الأميركان (2014)[2]. الموسيقى ومتعة سماع بارتوك ويوهان شتراوس ومشاهدة أوبرا زفاف فيغارو الدافع المعلن لرحلة عبدالله وبيرسفون على الدانوب في شهر العسل (طُبِع في بيروت، 2016). أمّا الفنُّ السابع فحضوره لافت، لا كوسيلة رفاهيَّة، ولا كإشارات وتلميحات إلى ذكريات سينمائيَّة مشتركة بين المؤلِّف والقرّاء فحسب، بل كفنٍّ موجِّه للوصف الروائيِّ وبناء المشاهد وتخطيط الفصول وتنظيم تواليها. رواية عين وردة (2002) من أبرز الأمثلة على ذلك[3]، ومعظم الروايات هي في الإطار ذاته. وما ذكرناه ليس تعدادًا منهجيًّا بل ما علق في الذاكرة من القراءات الروائيَّة. وباستثناء السينما، الفنون حاضرة في روايات صاحبنا، إمّا لتلعب دورًا في الحبكة، وإمّا لترسم معالم شخصيَّة ما، من حيث تخيُّلاتها ووظيفتها الاجتماعيَّة ومَوقِعها الطبقيُّ وطموحاتها الثقافيَّة...

لكنَّ للشعر مكانة أبرز في كُتُب الدويهي. لا تخلو رواية من ذِكرِه وإيراد بعضه، والاستشهاد بأبيات ونصوص. وقعه الشعبيُّ والثقافيُّ عامٌّ وظاهر وعميق. موقعه جوهريٌّ في التراث العربيِّ والأوساط الأدبيَّة اللبنانيَّة التي انتمى إليها المؤلِّف، وتخرَّج منها بدون نظم بيت شعريٍّ واحد في أوائل مسيرته أو إبّانها. وفي ازدواجيَّة موقفه من الشعر، ما يدعو إلى التساؤل والتبحُّر في البحث. إنَّها تحوي في طيّاتها الشخصيَّ والجماعيَّ، ومن هنا أهمِّيَّة المسألة ومغازي التوقُّف عندها.

لازم الشعر الإنسان منذ نشأته الأولى وتابع خطواته الحضاريَّة ووقَّعها بأناشيده وقصائده. بدأ ملحميًّا وصار غنائيًّا ومسرحيًّا. عبَّر عن الوجدان وأجاد في وصف الطبيعة وأقام بينهما الوصال. الرواية التي لا تكتفي بالحكايات وجمعها هي من مظاهر الحداثة.  وُلدت في أوروبّا في القرن السادس عشر ووَلَجت المجال العربيَّ في مطالع القرن العشرين. والروايات العربيَّة اليوم تعرف رواجًا كبيرًا وصار لها جمهور واسع وفاقت مبيعاتها كثيرًا مبيعات دواوين الشعر الحديث، فبات مشروعًا أن يتطلَّع الروائيُّ إلى مزاحمة الشاعر في مكانته الأدبيَّة، لا بل إلى وراثة الرواية مكانة الشعر في تراث العرب. 

تختطُّ الرواية نهجًا خاصًّا بها، وترى في علاقة الفرد بكائنه الاجتماعيِّ وبكينونته الشاملة رؤى متنوِّعة، لكنَّها كلَّها مختلفة عن سُبُل الشعر ومراميه. ومع ذلك ما زال الشعر، قديمُه والحديث، حيًّا في الوجدان الفرديِّ، وله وقع جماعيٌّ لافت.

جبُّور الدويهي روائيٌّ، هذه هويَّته البيِّنة والمعلنة. لم يكتب يومًا شعرًا، كما سبق وقُلنا،  وتوقَّف باكرًا عن كتابة القصص[4]، وعلَّم الرواية (الفرنسيَّة) في الجامعة، وبحث في نظريّاتها وتاريخها. وهو ليس روائيًّا فحسب، بل هو في رواياته أو بعضها يمرِّر أو ينتهج رواية الرواية أي أنَّه، من جهة، يعلن إنتماءه إلى الرواية كفنٍّ سرديٍّ كاشفًا دفائنها، ومن جهة أخرى، يرسل إشارات إلى روائيِّين وروايات ومشاهد باسلوب يطلق عليه النقاد المحدثون اسم  intertextualité [5]. فالفصل الأوَّل من مطر حزيران (2006) إشارة ظاهرة إلى مطلع مدام بوفاري (1856) لغوستاف فلوبير: دخول المدير إلى قاعة الدروس في مدرسة الفرير. وهو يرى في الحداثة وتشكُّلاتها الطابع الأساسيَّ للرواية.

نكتفي في ما يأتي بتناول علاقة الشعر بالرواية في ثلاثة من كتبه، ذاهبين من الأحدث إلى الأقدم: طُبع في بيروت وعين ورده وريّا النهر.

 

1.  محرقة "الكتاب"

   أهداني الصديق جبُّور الدويهي الرواية وشرَّفني بإهدائه. وعندما انتَهيت من مطالعتِها قُلت: "من عاشق للكتابة، كارِه للكتاب إلى عاشق للكتاب، متهيِّب من الكتابة". ففي هذا النصِّ الذي تشبه سطورُه الأولى بداية رواية فلوبير بوفار وبيكوشه (1881) التهكُّميَّة، نجد كلَّ ما يعادي حلم صاحب مدام بوفاري بكتاب هو غاية في ذاته، قائم بنفسه وأسلوبه، بغير حاجة إلى موضوع. شاطره مالارمه في المسعى ذاته: "العالم بأسره مصنوع ليقود لكتاب". ولم يقصِّر العرب في إجلالهم الكتاب، فأطلقوا التسمية على كلام الله، وعلى مؤلَّف سيبويه المؤسِّس للنحو العربيِّ، وعَنوَن الشاعر المعاصر أدونيس أكثر مؤلَّفاته طموحًا الكتاب[6] ساعيًا إلى مؤالفة المعجزَين، القرآن وديوان المتنبِّي. فريد أبو شعر، بطل الرواية، سمّى مخطوطه "الكتاب الآتي" ووضع له عنوانًا فرعياً "ّآيات"، لكنَّه عجز عن نشره ولم نعرف شيئًا عن محتواه، ولم يقرأه في الرواية كلِّها إلّا شخص لا يعرف العربيَّة، وقادَه الكتاب إلى السجن.

في رواية طُبع في بيروت، يبلغ الدويهي أوج أسلوبه الذي يمتاز بِسِمات ثلاث متكاملة: تعدُّد التفاصيل ودقَّتها وإغنائها لحبكات متداخلة ومتنوِّعة؛ سرعة السرد بالإيجاز والخفَّة؛ والسخرية اللاذعة التي لا تنجو منها أيُّ مسألة وردت. ونرى هذه السِمات كلَّها مستخدمة هنا لتهشيم الكتاب، وهو ما أسميتُه بالفرنسيَّة:biblioclastie . تطال السخرية جميع ميادين الكتاب أعني التأليف (مخطوط فريد أبو شعر لا هو شعر ولا هو نثر، وغالب الظنِّ أنَّه ينتمي إمّا إلى الشعر الحديث المتفلِّت من الوزن والتفعيلة، وإمّا إلى النثر الساعي إلى أناقة التعبير وفصاحته على حساب المعنى)، والنشر (لكلِّ ناشر اهتمامات خاصَّة ومرامٍ غير مرامي المؤلِّفين، واحدٌ مبالغ في تزمُّته الجماليِّ، وآخر في وفائه الغراميِّ، وثالث بجَني الأرباح وتوازن المؤسَّسة الماليّ) والطباعة (المطبعة بنت حرام انتحل أصحابها هويَّة غير هويَّتهم وغرقوا في منشورات من كلِّ حدب وصوب وانتهَوا إلى تزوير العملة وافتعال حريق لإنقاذ ثروتهم)، والجماليَّة (جماليَّة الكتاب، بخطوطه وورقه المصقول، بدورها مهمَّشة ومدانة).

ولمّا كان الكتاب في قلب إنجازات حضاريَّة ووطنيَّة كثيرة، نراه يُغرِق معه هذه الانجازات في انهياره. فتفقد الأسَر اللبنانيَّة (البساتنة، المعالفة، اليازجيُّون...) التي صنعت سمعة لبنان وشهرته تمايزَها الأدبيَّ، وبالتالي نشاهد هذا الكاتب [فريد أبو شعر] المنتمي بالتبنِّي إلى إحداها يتحوَّل من مؤلِّف طموح إلى مصحِّح رتيب العمل في مؤسَّسة طباعيَّة. وتتخلّى بيروت عن دورها عاصمة للنشر العربيّ. ويتقاطع تأسيس لبنان الكبير مع عمليَّة سرقة إجراميَّة. والطباعة التي شكَّل اكتشافها واحدًا من مداميك المعرفة في الغرب، والتي افتخر الموارنة طويلاً بأنَّهم أوَّل من أدخلها، ومعها الحرِّيَّة، إلى المشرق، تثابر في السقوط من درك إلى آخر وتنتهي تقنيًّا إلى آلة كفكاويَّة مستورَدة تستطيع كلَّ شيء، وتمتنع عن نشر الإبداع.

لن تحول مبالغتي السوداويَّة في مقاربة الرواية دون البحث عن مآل الشعر فيها. ليس في الصدارة، لكنَّه في الزوايا. في الحنان، في الشفقة، في الرحلات الدانوبيَّة، في الاستكانة إلى غانية أجنبيَّة وملهى ليليٍّ وكأس ويسكي جاك دانيلز ومأكل شهيٍّ... في عشق الأدب عبر كراهيَّته. وهو على الخصوص في حرِّيَّة المؤلِّف في التهديم على هواه، وفي "الخراب الجميل" الذي دعا إليه بعض شعراء الحداثة[7]، والذي يخفي عند جبُّور الدويهي توقًا إلى الجديد وإلى التحرُّر من التقاليد وإلى مزيد من الحبِّ والألق.

 

2.  هَزل الشعراء

في عين ورده تبين المسافة التي تفصل الشعر عن الرواية، فتتناول الرواية بوسائلها الخاصَّة مكانة الشعر الاجتماعيَّة، لا بل جوهره وماهيَّته. ولنقرأ معًا الفصل 21 من عين وردة. تدعو نهاد الباز في دارة عائلتها الواسعة غير البعيدة عن بيروت ومخيَّم تلِّ الزعتر والدكوانة، حيث تدور المعارك دائرة والاشتباكات يوميَّا وتتقطِّع، إلى أمسية شعريَّة يلقي فيها الشاعر سليمان عطيّه قصائده الجديدة وهي "أجمل قصائد نظمها على الإطلاق". هذا وطالما مانع الشاعر في إلقاء قصائده أمام الناس، والندرة تزيد في ألق المناسبة وأهمِّيَّتها. معظم المدعوِّين لا يفقهون الشعر، ولا يعطونه أيَّ أهمِّيَّة، إمّا لأنَّهم أجانب، وإمّا لاهتماماتهم الضيِّقة (الشطرنج، أنواع السلاح...)، وإمّا لبُعدهم عن الأجواء الثقافيَّة. الشمبانيا والبتي فور متوفِّران، والاستقبال يليق بالحضور. 

 "وصل سليمان عطيّة في سيّارة مكشوفة برفقة صديق أعمى يقلِّد طه حسين بنظّارتَيه السوداوَين، تقوده سيِّدة شابَّة أفرطت في طلاء وجهها باللون الأبيض المكسور بالزهريِّ فبات أقرب إلى القناع، وهي على الأرجح تقلِّد أيضًا ممثِّلة في السينما الأميركيَّة من زمن الأسود والأبيض، وجاء معهم شابٌّ أسمر مربوع القامة كان يقود السيّارة الحمراء اللون، وقيل همسًا إنَّه صديق سليمان وإنَّ نهاد تمنعه من اصطحابه إلى عين ورده في الأيّام العادية، وقد وافقت هذه المرَّة شفقة منها لأنَّ المناسبة عزيزة على قلب سليمان ويحبُّ أن يكون محاطًا بكلِّ أصدقائه"[8]

وصفٌ لا هوادة فيه لشعراء من الحاضر أو الأمس القريب: شعائر خاصَّة بأهل القصيد واصطناعهم الطرافة والغرابة وإرادتهم التميُّز والفرادة ليتمكَّنوا من قطاف الشعر والعيش فيه ومعه؛ تفاصيل ساخرة يضيف إلى قساوتها عدم أصالتها وتقليدها لنموذج غريب أو غربيٍّ فَقَد هنا موقعه ومعناه؛ إيحاءات عن مثليَّة جنسيَّة وعواطف مريبة في التباسها؛ واقعيَّة كاريكاتوريَّة تلتقط عناصر ألِفها القرّاء في الحياة الاجتماعيَّة اللبنانيَّة وتجتمع هنا لتثير الابتسامة ولإقامة مسافة بين المشهد وأبطاله، من جهة، والقارئ، من جهة ثانية؛ مسرحيَّة كاملة تتوازن عناصرها الهازئة في غياب التعاطف المباشر... ويتابع الروائيُّ في وصف الحضور، فيستنسخ الشاعر عبر السفير السابق الثمانينيِّ عقل نفّاع "الذي لا يزال منتصبًا منكوش الشعر"، وهو مستنسَخ بدوره عبر أحد تلامذته "الذي حفظ له أقوالاً مأثورة وأبيات شعر عن ظهر قلب ليستشهد بها في خطبه ومداخلاته". ويرسل المؤلِّف بعض الإشارات إلى هويَّة الشاعر السفير لا تخفى على متابع لبنانيٍّ للشأن الثقافيِّ، فيذكر ربطات العنق "الحمراء الفاقعة" التي يقال "أنَّ لديه منها مجموعات كبيرة"، وتمثال قدموس الذي نجح الدبلوماسيُّ المتقاعد في إقامته في عشرين بلدة حول العالم "محاطًا [أي قدموس] بتلاميذه من جميع الأجناس والألوان". يخلو هنا إيراد التفاصيل والانتشاء بها من أيِّ براءة سرديَّة، ويضيف إلى هزليَّة المشهد ويمعن في إدخال السكِّين في الجرح. لكنَّنا لن نذكر أيَّ اسماء.

ينتقل الروائيُّ بعد وصفه جمهور الشعر (اكتفينا بشيء منه) إلى "موعد الشعر". ولهذا "الموعد" مكان وزمان داخل الدار. الزمان جنوح الشمس إلى المغيب بعد سماع عزف الفالس على البيانو. وإذ بدأ دويُّ الرصاص، قيل: "لا شيء، لا شيء، مناوشات حول مخيَّم تلِّ الزعتر"[9]، فالشعب الذي يُكرِّم الشعراء "شعبٌ لا يموت". المكان تلَّة الحور القريبة رغم اضطرار السفير إلى دفع فرنسيس الباز في كرسيِّه المتحرِّك وخشية النساء على أكعاب أحذيتهنَّ العالية من حقل الأشواك والتراب. 

لا يحول احتدام المعركة في القريب البعيد دون بداية الإلقاء. يُلفظ عنوان القصيدة بهدوء وبصوت "يكاد لا يسمع"، لكنَّ مطلعها يُقرأ بصوت يشبه "العويل" ممّا يثير خوف إحداهنّ. "كأنَّ العنوان من طبقة ومتن القصيدة من طبقة أخرى." في هذا المقطع بالذات، ننتقل من السخرية المتناوِلة للشعائر إلى ما يتجاوزها في مقاربة الشعر. القصيدة مترجَمة من الفرنسيَّة، وهي ليست للشاعر كما كشفت ذلك مراسلة الأوريان "التي كانت تلبس تنُّورة قصيرة ... والتي مرَّت في أسرَّة كلِّ من تعرفهم بيروت من أصحاب النفوذ"[10]. لكنَّنا لا نلبث أن نعود إلى السياق الساخر: 

صفَّق عقل نفّاع بشدَّة ليبرهن أنَّ ما يحدث فوق تلَّة الحور أهمُّ ممّا يدور في ضاحية بيروت الشرقيَّة(...). وفجأة صرخ [الشاعر] كأنَّه ينادي أحدًا في البعيد: أنا ابن آلاف السنين من الجذّافين والنشوات والأحلام الآسيويَّة..."[11]

الشعراء وأصدقاؤهم خارج الزمان والمكان، ولو بحَثوا عن شمس الأصيل وغاب الحور لإرسال قصيدهم، والروائيُّ حادُّ الرؤية في مراقبة عاداتهم وشعائرهم وفي بناء المسافة (على الطريقة البريشتيَّة[12]) بينهم وبين محيطهم، من جهة، وبينهم وبين القارئ، من جهة ثانية. وهو قاسٍ في وصفه، مُقَهْقِه في ضحكته، دقيق الملاحظة، جامع للتفاصيل مُكثِر منها مُورِد لها بمتعة ظاهرة لإتقان حبكته. لكنَّه ما أن يرسم مشهده مكتملًا، حتّى يثير تساؤلات عدَّة: لماذا أورد قصيدة مترجَمة، والترجمة خيانة كما يقول الرومان؟[13] لماذا أورد على لسان شاعره قصيدة مسروقة من شاعر آخر[14]؟ لماذا أورد قصيدة في قلب المصير الإنسانيِّ ولا علاقة لها بالتاريخ الفينيقيِّ؟ القصيدة جميلة ولا يخفي جبُّور الدويهي إعجابه بها، وهي فاجأته، على ما قاله لنا في مناسبات ثقافيَّة عدَّة. ما الدافع إلى ذِكرها في هذا الفصل بالذات وما الغاية من نسبة السرقة إلى شاعر أجهز عليه الوصف الدقيق الممتع المتهكِّم؟ في الأمر ما يثير التساؤل!

أرى شخصيًّا أنَّ خروج الروائيِّ عن روائيَّته، واللجوء إلى ما سبق، يعود إلى تهيُّبه مواجهة قصيدة عربيَّة تنتمي إلى عالم الشاعر القوميّ. فكانت القصيدة المترجَمة، وكان التزوير، وكان الهروب إلى الشعر الصافي، الكثيف الرمزيَّة، المتعالي بموضوعه إلى العشق والحياة والموت. لماذا التهيُّب؟ لا يعود فقط إلى وقع القصيدة العربيَّة على الذات، بل يعود أيضًا إلى أسلوب الدويهي السريع في الوصف، الممتلئ بالتفاصيل الواقعيَّة، الناضح بالسخرية والإباحة. ويمكن الإضافة بإيجاز أنَّ الروائي خرج قليلاً عن روائيَّته في هذه المسائل المحدودة حتّى لا يخرج كثيرًا عنها وعن الأسلوب الذي ابتدعه لنفسه وارتبط به.

عين ورده رواية بامتياز، تشدُّك إليها بحبكتها وتفاصيلها وأسلوبها وتعدُّد فصولها وأزمان تلك الفصول التي يشكِّل كلٌّ منها مشهدًا متكاملًا ومعبَرًا مستقلًّا إلى الحكاية. تشدُّك بواقعيَّتها وتاريخيَّتها و"مسافتها الطيِّبة" عن الأحداث اللبنانيَّة. تشدُّك بسينمائيَّة بيِّنة وجدت في السرد الروائيِّ ملاذًا مناسبًا. لكنَّ لهذه الرواية التي تسخر من الشعر والشعراء، كما بيَّنّا ذلك، وشائج وروابط مع الشعر سنحاول إظهار بعضها. فكأنَّ هذه الرواية، الكاملة الأوصاف كرواية، تلاقي الشعر بوسائلها، فيدرك كلٌّ منهما بمنطلقاته ومسالكه الخاصَّة جميل الحقِّ ومرارته. 

في بداية الكتاب، وفي العديد من أقسامه، يتحدَّث المؤلِّف عن "عابر السبيل" و"من ينعم النظر" و"العابر لو استبدَّت به الحشريَّة ونداء البيوت القديمة المهجورة"... وهذا ما يقودنا "بالبداهة الثقافيَّة" إلى مطالع المعلَّقات ومنها معلَّقة عنترة بن شدّاد: 

هل غادر الشعراء من متردَّم        أم هل عرفتَ الدار بعد توهُّمِ 

ولَج أديبُنا من المعلَّقة كقصيدة تسترجع عناصر الحياة الإنسانيَّة والكونيَّة كاملة إلى الشكل الروائيِّ المتعدِّد المداخل والأشخاص والمحبوك في لحمة نثريَّة تستلهم روح العصر. ويمكن لنا عبر استذكار بعض الأبيات، التماس الفرق بين المعلَّقة والرواية والقرابة بينهما: يذكر الدويهي في الفصل الأوَّل "رائحة براز الحمام" و"بقع الخراء"، ويتساءل مع عبّاس المانع [أحد شخصيّات الرواية]: إذا قضى المتنزِّهون الحاجة في المطبخ "فلماذا يبعثرون ويرسمون بها على الجدران؟". وشتّان بين ما نقرأه هنا وما سمعناه من امرئ القيس:

 تَرى بعرَ الآرامِ في عرصاتها  وقيعانها كأنَّها حبُّ فلفل[15]

وتذكِّر قصيدة فؤاد غبريال نفّاع التي ألقاها الشاعر سليمان عطيّة في أمسيته ورواية جبُّور الدويهي بمعلَّقة امرئ القيس. في مطلع كلِّ معلَّقة جاهليَّة ما اصطلح النقّاد على وصفه بالبكاء على الأطلال. الأمر ليس كذلك[16]، بل كلُّ مطلع هو وصفٌ لاستحالة السكون بمعنيَيه: السكن، فكلُّ سكن بائد؛ والمساكنة، فالحبيب مفقود والبقاء معه باب من أبواب الاستحالة. وهذا ما تسترجِعُه الرواية بأسلوبها الخاصّ. والأبيات الأخيرة لمعلَّقة ملك كندة تقول مسبقًا ما قاله الشاعر اللبنانيُّ في قصيدته: 

كَأَنَّ مَكَـاكِيَّ الجِـوَاءِ غُدَّيَةً       صُبِحْنَ سُلافاً مِنْ رَحيقٍ مُفَلْفَـلِ[17]

كَأَنَّ السِّبَـاعَ فِيْهِ غَرْقَى عَشِيَّـةً  بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أَنَابِيْشُ عُنْصُـلِ[18]

عادت دورة الحياة وصار "عاشقا الأمس"[19]، ورضا الباز بعد فقدان "كلِّ أثر" له[20]، وطيور الوادي[21] والسباع الغرقى في السيل، كائنات حيَّة وفاعلة في حياة جديدة.

 

3.  روعة الوجود 

   ريّا النهر ثاني روايات الدويهي، كتبها بعد اعتدال الخريف (1995). في الرواية يَعبر الشعرُ مرّات عدَّة. مرَّة على صورة شعر شعبيٍّ يؤدِّي بمُنشِده إلى الموت قتلاً لأنَّه مسَّ بشرف إحدى العائلات[22]. مرَّة أخرى على الشكل الآتي: 

"فعرفها [الرسّام موسى بشاره العائد من أميركا] وأوَّل ما سألها:

-             ماذا عملت بشعرِك يا ريّا؟ 

فأجابته أنَّها خبَّأته في علبة في الخزانة. ضحكا. بقي واقفًا فوق الجسر، رفع يده عاليًا وراح يطوِّح بها فوق الجسر ويقول كأنَّه أمام حشدٍ غفير: 

منائر شقَّت الظلماء وانبلجت     في كلِّ ناحية عن فجر عرفان

خلعتَ منهم على لبنان نضرته   وزنتَ هام الربى منها بتيجان

إنَّها أشعار صديقه فؤاد. انتبهَت من أوَّل كلام قاله إلى أنَّ لهجته قديمة، وفيها نبرة لم تعد موجودة (...)"[23]

 

للبَيتَين وقع أكيد على السامع والقارئ. الفرائد حلوة، الوزن واضح، الإيراد ليِّن، لكنَّ المعنى مستعصٍ قليلًا على المُلمِّ العاديّ. تالي البيتَين في موقف مسرحيٍّ يصطنع البلاغة، لكنَّ محاوِرَتُه ترى في المناسبة ما يضحكها وما يقودها إلى التأويل. ولعلَّ بين الموقفَين فوارق أساسيَّة بين واقعيَّة الرواية وتنزُّه الشعر.

مرَّة أخيرة وقبل الفصل النهائيِّ وتمهيدًا له، نجد مطلع قصيدة للمتنبِّي:

"وإذا التفتت رأت والدها [المتوفِّي] واقفًا ويدُه ممدودة كأنَّه يناجي النهر وهو يقول عن ظهر قلب: 

 بِمَ التعلُّلُ لا أهلٌ ولا وطن   ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ"[24]

لا هوَّة في هذا المقطع بين الرواية والشعر، بل يأتي بيت المتنبِّي ليلعب دورًا مفصليًّا في حبكة القصَّة. مرَّت ريّا بظروف مأساويَّة، وشهدت جريمة لم يُعرف مرتكبها، ولمست ما يزخر به المجتمع الضيِّق من ذكريات أليمة وهلوَسات كبيرة وصغيرة وأحقاد دفينة، لكنَّها في هذه اللحظة بالذات مُقبِلة على الراحة والمتعة لكَونِها شخصيًّا وعائليًّا راسخة في هذا المكان وهذا الأوان. والحقُّ يقال إنَّ بيت أبي الطيِّب يقول عكس ما تشعُر به ريّا. فالشاعر يشكو من كلِّ ما يفتقده هو لكنَّه يعدِّد أيضًا العناصر التي تصنع السعادة. وريّا تمتلك هذه العناصر، لذا لن تسمح بكدَر يَحول دون سعادتها.

       ريّا النهر رواية كاملة الأوصاف في حبكتها وتصميمها وأسلوبها. لكن يسكنها روح شعريٌّ يجعلها أقرب روايات جبُّور الدويهي إلى الحكاية الشعريَّة (Le récit poétique). يمكن لنا بداية أن نذكر، في إطار تلك الشاعريَّة، هذه السلالة النسائيَّة التي تواجِه الحياة بعناد وشجاعة وتنجح في الاستمرار بدون الالتفات إلى سوقيَّة ما يسمّى بالرأي العام. جدَّة وأمٌّ وابنة يذكِّرن بما  أطلق عليه أبولينير، في قصيدة له، التسمية الآتية:" أمَّهاتٌ بناتُ بناتهنَّ"[25]. لكنَّ لهذه السلالة وجهَين: روائيٌّ غالب وشعريٌّ يُلتمَس التماسًا. لذا نحصر منابع الشعر في الرواية بمنبعَين: النهرُ من جهة، والاحتفالُ بالوجود هاهنا (Dasein, être-là, être-le-là) من جهة أخرى.

       النهر في كلِّ فصل من فصول الرواية، تَسيل مياهه وتنضب، تحمل إلى الناس الأحلام[26]، ولا تكترث بالأقاويل والأفعال والكبائر والصغائر، جريئة في كرمها، مريضة في شحِّها، غير عابئة بشيء. ونهر ريّا لا ينسى أسماءه ولا يمحو تاريخه وفيضانه عام 1955. جيرانه يعيشون منه ومعه وهو يبادلهم بالمثل. 

"تقدَّمت حافية إلى جانب النهر وهي في قميص النوم، وفنجان الشاي في يدِها. كانت تعتقد في صغرها أنَّ النهر الذي يسرح في الليل غير الذي يسرح في النهار. الأوَّل هادئ، شعره ممشَّط ولمّاع، والثاني غَضوب مُشاكِس. نادرًا ما تشعر بالسكينة مثل الآن لكن عليها العودة إلى الغرفة..."[27]

"أيُّ نهر هذا الذي إذا تأخَّر فصل الشتاء قليلًا يجفُّ فيمشي فيه البطُّ مشيًا! يشدُّ همَّته أسبوعين أو ثلاثة عند ذوبان الثلوج فيهدر قليلًا ويغطِّي قناطر الطاحون حتّى منتصفها لينوص من جديد (...) اعتادت على رائحته، هي ومحمود وسعيدة. في آخر الصيف لا تسيل فيه سوى المجارير"[28]

للنهر الجاري شاعريَّة نورانيَّة، ووَصْف مختلف أحواله والبشع منها، على واقعيَّته، لا يخرج عن هذه الشاعريَّة.[29]

المنبع الثاني للشعر في ريّا النهر يوجزه قولان لريلكه تعيد ريّا اكتشاف المعنى فيهما بدون معرفتهما وبدون الحاجة إلى أيِّ ثقافة:

الوجود هنا هو الكثير

الوجود هنا روعة[30]

ولا بدَّ هنا من الاستشهاد بالصفحات الأربع الأخيرة في الكتاب، وهي من أروع ما كتب الدويهي لما فيها من بساطة ومن قدرة على التعبير عن عميق الأمور والأحاسيس والذكريات والرؤى المستقبليَّة. نكتفي هنا بالأسطر الخاتمة للكتاب:

"ولدى عودتها عند غروب الشمس سيَجلِسان [هي وابنها] ويتأمَّلان صورة أشجار الدلب على صفحة الماء، وكلَّما هبَّ الهواء ونثر عليهما غزّال الحور الأبيض ستحمد الله على هذه الهبة، هبة الحياة الأميرة".[31]

خاتمة

       لقد تفاوت نصِّي بين الدراسة والانطباع الشخصيِّ والشهادة. تجاهل تعريف الشعر وتعريف الرواية وأبقى للمفهومَين حلَّة فضفاضة. ذهب من النصِّ الأحدث إلى النصِّ الأقدم، وهو ما ارتأيتُه مناسبًا للموضوع.

       يقول أدورنو:"الفنُّ هو السحر وقد نُزِعت منه صفة الواقع." جبُّور الدويهي لا يستطيع نزع صفة السحر عن الشعر، لكنَّه يسعى إلى سحْبِه من الشعر إلى الرواية. فيضيف إلى السحر بدون أن ينال من مكانة الشعر. يُري بحبكته وسخريته ودقيق تفاصيله وتواطئه مع أشخاص رواياته وهزئه بهم  "كم أنَّ العالَم مزيَّفٌ وقاسٍ وجميل "[32].

 

نُشر هذا النص في كتاب جبور الدويهي روائي الحياة اللبنانية، إسم علم 14، إشراف باسكال لحود، دار نشر الجامعة الأنطونية، 2020.        



[1] جبُّور الدويهي، ريّا النهر، بيروت، دار الساقي، ط 2، 2015، ص 12.

[2]  في الرواية المذكورة يتواطأ الرسم والرقص:" انزوى في شقَّته تراوده صورة "كسّارة البندق" المتمايلة بجلباها تحت مطر باريس أو المنحنية ببياضها الناصع للمصفِّقين وقوفًا، تختلط في رأسه مع صورة أوفيليا الجميلة بثوبها من المخمل الأزرق تطفو كزنبقة كبيرة على سطح الماء" (جبُّور الدويهي، حيّ الأميركان، بيروت، دار الساقي، 2014، ص 79). 

[3]  ورد لي، في مقال غير منشور بعنوان "إثم الرؤيا وامتناعها"، ما يأتي: "وعين ورده رواية سينمائيَّة بمعنيَين على الأقلِّ: فهي تذكِّر بأفلام من تاريخ السينما نورد منها سيتيزن كاين وآل امبرسون العظماء وصولًا إلى هذه الملكيَّة محظورة لسيدني بولاك، كما تشي بذلك اليافطات المحيطة ببيت الباز من نوع "هذه ملكيَّة خاصة" أو "هذا الطريق لا يؤدِّي إلى أيِّ مكان". كذلك تذكِّر الرواية، بسخريتها وعينها الثاقبة وقلبها الواسع، بأفلام الكوميديا الإيطاليَّة في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، وخصوصًا أفلام مونيتشيللي وريزي ولاتوادا وسكولا. كما تشكِّل معظم فصول الرواية مقاطع سينمائيَّة مستقلَّة ومكتملة."

[4]  نشر مجموعة قصصيَّة واحدة، عام 1990، وهي بعنوان الموت بين الأهل نعاس، وقد أعادت دار النهار نشرها عام 2010. كما نشر بالفرنسيَّة قصَّة للصغار بعنوان روح الغابة، عام 2001.   

 [5] الترجمة الرائجة: تناصّ. 

[6]  أدونيس، الكتاب 1 (بيروت، دار الساقي، 1995)؛ الكتاب 2 (بيروت، دار الساقي، 1998)؛ الكتاب 3 (بيروت، دار الساقي، 2002).

[7]  الخراب في قلب هواجس الحداثة. نذكر على ذلك مثلًا واحدًا: رواية كورماك كارثي الطريق (2006) التي تروي رحلة أب وابنه في مدن وبلدات بعد حصول ما يشبه الكارثة النوويَّة. 

[8] عين ورده، بيروت، دار النهار، ط 2، 2008، ص 218-219.

[9] نفسه، ص 221.

[10] نفسه، ص 220.

[11] نفسه، ص 225.

[12]  نسبة إلى المسرحيِّ الألمانِّي برتولت برشت (1898-1956). 

[13]  في رواية شريد المنازل، يلقي الرفيق فاسكو، بعد صمت فرضه، قصيدة بالفرنسيَّة ليست أيضًا من تأليفه (دار النهار، ص 98). يورد الروائيُّ مطلعها وهي مستقاة من مرارات سان جون بيرس. وتتكرَّر المسألة في حيِّ الأميركان مع مقاطع من أبولينير ومالارميه (ص 40). 

[14]  القصيدة الفرنسيَّة هي للشاعر اللبنانيِّ الفرنكفونيِّ فؤاد غبريال نفّاع، كما ورد في الملاحظة الختاميَّة من الرواية. 

[15]  بعر: ما يطرحُه الجهاز الهضميُّ من فضلات الطعام؛ الأرام: جمع رئم وهي الظباء الخالصة البياض؛ عرصات: ساحات الدار؛ القيعان: جمع قاعة. 

[16]  كما بيَّن المسألة الباحث طلال الحسَيني في بحث غير منشور عن المعلَّقات الجاهليَّة. 

[17]  ألمكاكي: ضرب من الطير؛ الجواء: الوادي؛ السلاف: أجود الخمر؛ مفلفل: ألقي فيه الفلفل. 

[18]  أنابيش: جذور النبات؛ العنصل: البصل البرِّيّ. 

[19] عنوان قصيدة فؤاد غابرييل نفّاع المشار إليها سابقًا، ومطلعها:

  Les deux amants d’hier dorment en bonne terre

Leurs quatre pieds plantés dans un jardin de pommes

Pour nourrir en été les oiseaux du village

Et fournir un ombrage aux vagabonds du ciel. 

[20]   ظلَّ بعض العابرين يجزمون أنَّهم يلمحون في نافذة رضا الباز "شبحًا واقفًا كحارس المنارة يرصد الطريق العامَّ (...) وينظر إلى الغيوم الجالسة في السماء كالحيوانات الأسطوريَّة المتقابلة" (ص 271). يشكِّل إختفاء رضا الباز بطل عين ورده، في نهاية الرواية، والإسهاب في وصف استحالة الفرار، خاتمة شعريَّة للحكاية.

[21]  مكاكي الجواء.

[22]  ريّا النهر، بيروت، دار الساقي، ط 2، ص 148.

[23] ص 42.

[24] ص 172.

[25] أنظر: Apollinaire, «Les colchiques» 

[26]  أنظر:

 Gaston Bachelard, L’Eau et les rêves: Essai sur l’imagination de la matière, Paris, José Corti, 1985.

[27]  ريّا النهر، ص 102.

[28] نفسه، ص 162. لا بدَّ هنا من ذكر رواية مارسيل بيالو التي تروي الحبَّ في مياه آسنة (Marcel Béalu: L’Araignée d’eau, Phébus, 1994)، وكذلك فيلم جون بوورمانDélivrance  (1972)، الذي يروي العدائيَّة المحيطة بنهر من الأنهار. 

[29]  راجع نظريّات الشاعر الفرنسيِّ إيف بونفوا في عدم اقتصار الشعر على الجمال. 

[30]  بالفرنسيَّة: Être ici est beaucoup/être ici est une splendeur

[31]  ريّا النهر، ص 176.

[32]  إنريكي فيلا ماتاس، فقدان النظريّات، كريستيان بورغوا، 2010. فيلا ماتاس روائيٌّ وناقد إسبانيٌّ، وهو بعنوانه هذا يشير إلى قول الشاعر البرتغاليِّ فرناندو بيسوا: "الترحال فقدان البلدان".