Thursday 25 September 2014

ميشال فوكو وداعش والفلسفة والعرب



حوار مع محمد الحجيري، صحيفة "المدن" الإلكترونية، 21 أيلول 2014






فارس ساسين أستاذ جامعي متقاعد علّم الفلسفة المحضة القديمة والحديثة والمعاصرة ويهتمّ بالتجربة اللبنانية. هنا حوار[1] مع المدن على هامش إعادة نشره حديث أجراه مع الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو قبل أكثر من عقود ثلاثة.

- ما سبب عودتك إلى محادثة أجريتها مع الفيلسوف ميشال فوكو قبل أكثر من 35 عاماً، وقد أعدت نشرها في مجلة "روديو" الفرنسية (آذار 2013)، وترجمها أحمد بيضون مجدداً إلى العربية وصدرت في مجلة "كلمن" (خريف، 2014)؟

 أسباب العودة إلى المحادثة ظرفية وثانوية، أكثر مما هي أيديولوجية وفكرية. نشرتُ جزءا من المقابلة قمتُ بترجمته سريعا في مجلة النهار العربي والدولي  المحتجبة،في صيف العام 1979. وبقي قسم منها على شريط مسجل ينتظر تفريغه إلى أن تبرعت صديقتان للقيام بالمهمة، إحداهن ساندرا إيشيه وهي مسؤولة في روديو الفرنسية التي تصدر في مدينة ليون وتعتمد إخراجا بالغ الجمالية، ارتأت أن تقدم محوراً في المجلة عن المحادثة لأن اسم فوكو يلقى صدى واسعاً ولأن النصوص غير المنشورة له قليلة ونادرة. ناهيك بأن ثمة صعوبات في نشر نصوص له غير معروفة بسبب قوانين الملكية الفكرية وتعدد الورثة والجقوق المكتسبة لدار النشر غاليمار.
 
نُشرت المحادثة في مجلة روديو، ولأنها تتضمن مواضيع يمكن اعتبارها آنية في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة ما آل إليه الربيع العربي، والعلاقة بين الإسلام السياسي والثورة والقهر والعنف والحرية. لهذا السبب أخذت المحادثة صدى جديدا، مثلما حصل عندما نشرتها العام 1979. وحتى الآن، ألتقي بأشخاص وأجدهم يتحدثون عنها في صيغتها الأولى، وهم يجهلون أنني صاحبها.

 
هل أصبحت المحادثة توازي هويتك؟
ثمة من يحبّ أن يحصرني مزاحا في هذه المحادثة وهذا ليس بالأمر المفيد، رغم أهمية فوكو وأهمية المحاورة. أجريت حواراً ممتعا مع ميشال سير، وهو مفكر كبير وتجدونها على مدونتي (بلوغ). كذلك لدي حوارات مع أصدقاء ومعاصرين مثل جبور الدويهي ونواف سلام وايلي صنبر، واشتغلت مدة طويلة مع الراحل غسان تويني، وأعكف راهناً على كتابة سيرة سياسية ترصد حياته. أصدرت أيضاً كتاباً عن السياسي اللبناني سليم تقلا، ومقالات سياسية ومحاضرات تتعلق بالفلسفة، سواء اليونانية أو المعاصرة عن كنط وهيغل وأفلاطون وأرسطو، هؤلاء يشكلون هويتي... وفي الفكر المعاصر، أنا أقرب إلى نيتشه وهايدغر منه إلى فوكو الذي كان على علاقة فكرية وثيقة بهما.

- ما أهمية محادثتك مع فوكو؟

إلى أهميتها التاريخية في بلورة موقف فوكو بمجمله من الثورة الإيرانية، وتوضيحه والرد على التأويلات المسيئة التي لحقت به، أظهرت المحاورة أمرين غير منظورين أو هشاشتين: الهشاشة الأولى تتمثّل في المثقف الموضعي الذي دعا إليه فوكو، وجسّده إلى حدّ كبير في مواقفه، والذي يحصر تدخّله في صراعات دائرة موضعية مثل المصحّ العقلي والسجن والمعمل... فيواكب المثقف المقاومين في هذه المواقع ويدعم نضالهم ويبلور رؤيتهم ويجذّرها في نظرة تاريخية تبيّن صراع السلطات والنزعة المعرفية وغير المعرفية إلى التحكم والسيطرة في هذه المواضع... لكن فوكو شاء أن يتخطى موضعية النضالات وواكب الثورة الإيرانية بما هي حدثٌ شامل ورفضُ شعبٍ كاملٍ لسلطة قاهرة في خدمة الإمبريالية، ثورة لا تستلهم الأنماط الغربية من ماركسية واشتراكية وغيرها... بل تعتمد الإسلام (أو الإسلام الشيعي) كرؤيا روحانية تلجم السلطة وتقيّدها ولها صدى في كل الفئات والجماعات في الأرياف والحواضر. لكن هذا الالتزام الجديد ما لبث أن اصطدم بتحولات "الثورة" السريعة، ما قاد فوكو إلى الريبة من  الالتزام العام على الطريقة السارترية والعودة إلى تقييم "غربي" أكثر موضوعية لما جرى ويجري، وهذا ما تجلى في هذا الحديث. فمواقف المثقف الموضعي غير كافية ومجتزأة، والمواقف العامة دونها خيبات أمل. تبقى جمالية الانتفاضة والحقّ بها والدعوة إلى دعمها. 
 أما الهشاشة الثانية، فهي في ظنّ المؤرخ و"العالِم" أن في استطاعته التفلّت من العودة إلى الفلسفة. فوكو أحد أكثر المؤرخين صرامة ودقة، وليست لديه أوهام حول الوضعية أو الوضعية الجديدة positivisme ou néopositivisme، لكن تبين له (ولنا) في المحادثة أنه مرغم على العودة إلى مفاهيم لم يُعِد النظر فيها إنما يستعيرها مؤقتا من آخرين ...
فـنرى فوكو يقول في المحادثة: أنا هنا أعيد تكرار سارتر، أنا هنا قريب من فيشته. لم يذكر نيتشه، لكن لديه جملة جميلة جداً ذكرتها في مقالة صغيرة لي عنوانها "سيرة ذاتية فلسفية" موجودة في المدوّنة. يقول فوكو: بدأت حياتي الفكرية بأني أذهب من نيتشه إلى هايدغر أو اقرأ نيتشه عبر هايدغر، وأنهيت حياتي السياسية بأن أعود وأقرأ هايدغر على ضوء نيتشه. ما يعني تغليب موقع نيتشه على موقع هايدغر. والمعروف أن الأخير أصدر كتاب أساسي (بجزئين يجمعان مقرراته الجامعية في الثلاثينات من القرن العشرين) عن نيتشه ويحوّله إلى فيلسوف رأى في "مشيئة القدرة" ماهية الكائن وفي "العود الأبدي" صورته. لكن هايدغر في الخمسينات لا يقوم إلا بتأويل بعض العبارات والجمل النيتشوية.

- كيف كان موقفك الشخصي من فوكو الذي تماهى مع الثورة الإيرانية؟ هل فوجئت به؟

 لم أفاجأ بموقف فوكو من الثورة الإيرانية. عندما اندلعت الثورة، كنت وكثيرون معها. منذ العام 1969 وحتى 1979 تعرفت إلى إيرانيين كثر، سواء في الجامعة في فرنسا أو في الحياة العادية، كانوا مجمعين على رفض الشاه ونظامه، من الأوساط الفقيرة وصولاً إلى الأوساط الميسورة. كانت الانتفاضة ضد شاه إيران نتيجة وحشية النظام والسافاك (الاستخبارات) ونتيجة فرضه من قبل الأجانب عبر انقلابات عدة نظمتها الاستخبارات الأميركية. من هنا، كان ثمة تعاطف فعلي مع الشعب الإيراني، لكن لم يكن أحد منا يتصوَّر أن الثورة الإيرانية ستنتهي في أيدي الملالي. كانت الانتفاضة الإيرانية في البداية ثورة شعب متقدم. عندما زار الدبلوماسي والصحافي أريك رولو، إيران، وكتب سلسلة مقالات عنها، استنتج نظريه شبيهة بنظرية كان يقول بها طه حسين عن مصر، وهي أن ثمة ثلاثة مصادر للشعب الإيراني والثقافة الإيرانية: المصدر الأول الإسلام، المصدر الثاني الإمبراطورية الفارسية، والمصدر الثالث هو الغرب. علاقة إيران بالأخير قديمة جداً، وهم معجبون بالجامعات الأوروبية والثقافة الغربية، فأن تتحول الثورة الإيرانية ثورةَ ملالي فهذا أمر غريب!
كنا من المؤيدين للثورة الإيرانية في البداية وكنا ملدوغين من التجربة الشيوعية ويائسين من أنماط تحول الغرب. تكون مع لينين يوماً ثم يرحل لينين وتبدأ التغيرات ثم تنتهي الثورة في مطرح آخر، وتصبح مجبراً على أن تبقى مؤيداً للخلف لأنك كنت مؤيداً السلف. والأمر نفسه مع ماو تسي تونغ والثورة الثقافية الصينية.

-
الثورات كافة تشبه بعضها البعض...

 
كنا ممتعضين من التحولات التي حصلت، لكننا لم نكن نتصوَّر أن تنتهي الثورة الإيرانية بهذا الشكل.

- هل حاولت تقديم مراجعة لتلك المرحلة؟

 لا، ليس هذا من صلب اهتماماتي. في المجال الثقافي، يشغلني الاهتمام بالفلسفة المحضة مثل أفلاطون وهايدغر، والتعلق بالهوية اللبنانية. أعتبر التجربة اللبنانية فذة، وبرغم مساوئ البلد الكثيرة، أنا متعلق بهذا الكيان التعددي وأي انفتاح على نموذج آخر هو انفتاح على مجهول، سواء كان دينياً أو بعثياً. وطبعاً لا أنكر وحدة "المجال العربي"، وأرفض تسميته "العالم العربي"، ويتجسد هذا المجال في المشاكل الواحدة واللغة الواحدة...اليوم ليس هناك غير عالم واحد تتعدد فيه المجالات.

- هل لبنان بحاجة إلى فلسفة جديدة؟
 الفلسفة لا تنقذ لبنان، فالبلد بحاجة في كل ركن من أركانه إلى أن نشغل عقلانيتنا فيه ونحاول التغيير، بدءاً من مواجهة الطائفية المستشرية إلى ثقافة التوريث السائدة في العائلات السياسية. ومن غير المنطقي أن يكون معظم المؤسسات معطلاً، ومن غير المنطقي أن نؤسس المجلس الدستوري ونعطله في لحظة عمله...

-
تدرّس الفلسفة من سنوات، وثمة من يقول إنه في البلدان العربية لا يتوافر نص فلسفي بقدر ما هو الاهتمام بالفلسفة. ما رأيك؟

 لا أستطيع إنكار نصوص مثل نصوص ناصيف نصار، وهو مفكِّر حاول في الميادين الفلسفية كافة أن يقدم نوعاً من تفكير فلسفي عربي جذري وشامل.

-
 أقصد أن ثمة من يمزج بين المثقف وبين الفيلسوف؟

 إحدى الأمثولات الفلسفية التي تأثرت بها جاءت في خضم تيار أوروبي شكّله مارتن هايدغر مع بعض المؤرخين الفرنسيين من بينهم جان بيار فرنان. يظهر هذا التيار أن كل فكر ليس  فلسفة.  ثمة فكرإنساني  وداخله شيء محدد اسمه الفلسفة لها كما يقول فرنان "سجل قيد"، فقد ولدت في القرن السادس (ق.م) في بلاد الإغريق. لا نستطيع القول إن الفلسفة وجدت مع وجود الإنسان أو مع وجود اليونانيين.  لقد بقيت الحضارة الاغريقية ستة قرون حتى وجدت الفلسفة في إحدى مستعمراتها، ملطيا في آسيا الصغرى. هوميروس لا علاقة له بالفلسفة، والأمر نفسه مع هزيودس. الفلسفة وجدت في القرن السادس (ق.م) في ايونيا غرب تركيا اليوم ، حيث لم يكن هناك من التراث ما يكفي لحل المشاكل المستجدة ، فأتى طاليس وأناكسيمندرس وأناكسيمنس وغيرهم... وبدأوا يفكرون عقلانياً وأخلاقياً وخلقوا مجالاً للنقاش، وقرروا أن الجميع لديه الحق في النقاش، ولا تفريق بين شخص وآخر سوى في منطقه، لذلك ولدت الفلسفة. لا فلسفة في فينيقيا مثلاً، ولا أشكك في أهمية كونفوشيوس أو موسى أو المسيح، لكن نظريات هؤلاء وثمارفكرهم ليس فلسفة، ولأن الأخيرة يلزمها شرطان: الديموقراطية والعلمنة. الديموقراطية تعني أن الجميع يحق لهم النقاش، شرط أن يكون المتحدث منطقياً في كلامه قامعا للعنف والانفعال، والعلمانية التي تعني أنه لا مقدس مقبولاً. نصل إلى مكان ونقول: .. لكن ورد في القرآن أو الإنجيل، فقيمة منطقنا في ما نقوله وليس من خلال الاستنجاد بالكتب الدينية والسماوية.
بهذا المعنى، الفلسفة مؤسسة قبل أن تكون ممارسة، جوهرها يمارس فكراً علمانياً وديموقراطياً. هكذا مارسها اليونانيون... والأفكار اليونانية السابقة له (الإيونية والإيلية والسقراطية) صهرها أفلاطون الأثيني في فلسفته، وكل ما فعل الفلاسفة في التاريخ أنهم زادوا بعض الهوامش الفلسفية إلى ما كتبه صاحب الجمهورية[2]. ولذلك يقول هايدغر إن جلّ ما فعله ماركس ونيتشه أنهما قلبا أفلاطون الذي كان يقول بهيمنة الفكر على المادة، والعقل على الإنتاج، ماركس ونيتشه قالا إن الإرادة والعمل أهم من العقل... أصل إلى فكرة لأجيبك عن سؤالك حول الفلاسفة في العالم العربي، قالها هايدغر، وفوكو أحد مؤيديها بشكل آخر، وهي أولاً أن "الفيلسوف نادر"، وقد تجد في تاريخ الخمسة والعشرين قرنا التي مضت عشرة أسماء لفلاسفة كبار. ثانياً، كل فيلسوف من هؤلاء أتى بفكرة... والفكرة نادرة بحسب فوكو... لذلك تسألني عن الفيلسوف العربي، يمكن الإجابة من مكان آخر، إذا كان بلد مثل إسبانيا (أو أميركا) لم ينتج فيلسوفاً كبيرا، فكيف الأمر بحال العرب رغم أهمية الفارابي وابن رشد وغيرهم؟
 لابن خلدون مكانة بين الكبار الكبار في الفكر التاريخي ودراسة المجتمع الإنساني  لكنه ليس فيلسوفاً . أصلا رأى في الفلسفة "صناعة باطلة"، وكان في علم الكلام على المذهب الأشعري على ما يظهر من تعريفه له في المقدمة.
سأضيف هنا فكرة عن الفلسفة والفيلسوف. السؤال الدائم: هل الأصعب تغيير الأفكار أم تغيير أساليب التعبير؟ ثمة من قال إن طريقة الكتابة أصعب من تغيير الأفكار. في النهاية الفلاسفة كلهم يأتون ب"أسلوب" جديد، أفلاطون أسلوب، أرسطو لم تصلنا كتاباته بل هي تدوينات تلامذته، ديكارت مؤسس اللغة الفرنسية، وثمة من يقول عن كنط إنه حقق ما يقوله الفقهاء المسلمون عن القرآن: دوَّن كتاباً (أو كتباً) مُحكم الصياغة معجزاً لا تستطيع تغيير جملة فيه...

- كيف تقرأ ظاهرة "داعش" في ضوء محادثة فوكو؟

 أهمية فوكو في أنه يطلب التخصص فيدرس ولادة سلظة معينة في زمن معين، ورأيه أن لا مجتمع بلا انتفاضات... وإذ تأملنا الأحوال في المجال العربي، فلا أحد يمكن أن يستمر إلى الأبد، وكل سلطة تؤول إلى انتفاضة. إذا اردت أن تفسر ظاهرة داعش،  فليس في ضوء ما يقوله فوكو، بل من خلال السياسة الأميركية والإيرانية والعراقية على يد المالكي... عندما أرى "داعش" ألاحظ أن لدى التنظيم هوساً بإسلام أصولي إلى جانب الحرص على الاندماج في "مجتمع الاستعراض"، كما يسميه غي ديبور. فأعضاء هذا التنظيم مهتمون بصورهم (ولو ملثمين) وبالظهور على الشاشات، وليس لديهم شغف بتطبيق الإسلام، بقدر هوسهم بقطع الرؤوس والأطراف والقتل. ولولا مشاهدهم الشنيعة على شاشة التلفزيون واليوتيوب لكانوا خارج الحضور القوي لهم في أذهان العامة. إلى جانب ذلك، لداعش طابع "العصابة"، بالمعنى الدلوزي[3] للعبارة أي مجتمع بشري خارج  " العصبيات الملتحمة بالنسب": إناس قدموا من كل بلدان العالم وغرباء عن المجتمعات كافة.


أدخلت على الحوار بعض التصحيحات والتوضيحات. [1]
 [2] الملاحظة هذه للفيلسوف الأميركي هوايتهيد.
[3] Gilles Deleuze-Félix Guattari: Traité de nomadologie, pp 434-527 in  Mille Plateaux, Ed. de Minuit, 1980.

Friday 5 September 2014

CHARLES HÉLOU ET L'ACCORD DU CAIRE





Hélou et Nasser, Le Caire 1964



FERMETÉ ET « STYLE JÉSUITE » DE CHARLES HÉLOU


Joe Khoury-Hélou: Charles Hélou, Hamlet de l’accord du Caire, Les secrets d’un mandat présidentiel, Préface par Edmond Jouve, Presses de l’Université Saint Joseph, Beyrouth, 2014, 400pp.

          Dans cet ouvrage consacré à Charles Hélou par son neveu Joe Khoury Hélou pour lui rendre justice, s’agit-il d’une destinée (1913-2001), d’un mandat présidentiel (1964-1970) ou de l’accord du Caire (3/11/1969) qui fut un événement majeur de ce mandat ? Le titre et le sous-titre embrouillent un peu les choses, mais le propos du livre est clair : quelles furent les positions et l’attitude du président libanais durant la crise de 1969 au cours de laquelle l’accord vit le jour, quelle y fut sa responsabilité, quels en sont les vrais déterminants et quelle en est la nature ? Les sources pour pouvoir répondre à ces questions sont, outre les confidences de l’intéressé, ses Mémoires (1995) mal connus mais  dont les fréquentes et longues citations ici montrent l’acuité et la haute envolée et les rapports « ultra secrets » de l’ambassadeur américain Dwight J. Porter au Département d’Etat qui ont été déclassifiés au bout de quarante ans. Nous trouvons, en annexe de l’ouvrage, plus de 100 pages de fac similé de dépêches envoyées. Loin de contredire le témoignage présidentiel, elles le prolongent et le complètent par les récits d’entretiens du représentant des Etats-Unis avec les divers hommes politiques libanais.
          Les prémices de la crise, nous les trouvons principalement dans la défaite arabe de 1967 et dans le nouveau prestige émotionnel gagné par « al kiffah al mouçallah » palestinien auprès de toutes les populations arabes dont le peuple libanais et surtout sa composante musulmane et plus particulièrement sunnite. Mais la présence de la résistance palestinienne armée sur le territoire libanais ne pouvait manquer d’attirer des représailles ennemies et de menacer la République dans sa sécurité et sa souveraineté. Israël, de plus, trouvait ses nouvelles frontières, à l’exception de la libanaise, idéales. Il pouvait prendre prétexte de tout attentat pour annexer des territoires, s’approprier les eaux  ou imposer un arrangement de paix au Liban. Son attaque de l’aéroport de Beyrouth en décembre 1968 montrait quelle idée il se faisait du droit, se forgeant de toutes pièces un motif d’action offensive et s’attaquant à des objectifs civils.
          Ce qui se dégage clairement de ces pages, c’est d’une part la lucidité de Charles Hélou quant à ce qui se passe et se passera non seulement au Liban même, mais dans toute la région. Il perçoit la place nouvelle du sacré dans la politique (« la cause sainte », « la cause religieuse », « le mal absolu »…), le règne dévastateur de la démagogie et de l’anarchie armée, la désintégration de l’Etat et l’exacerbation des divisions communautaires …Bref, il décèle dans la crise de 1969 une période de fondation ou plutôt de sapement de tout ce qu’on a tenté de fonder depuis bien des décennies.
          Un témoignage personnel n’est pas inutile ici. Dans une réunion d’un groupe d’extrême gauche de juin-juillet de cette année à laquelle je participais, un « révolutionnaire » perspicace parle d’un article paru dans L’Orient signé « XXX » et qu’on attribue à Charles Hélou lui-même. Il affirme que cet écrit énumère toutes les raisons pour lesquelles l’Etat libanais doit s’opposer à une présence armée sur son territoire. Il enchaîne : « c’est justement pour ces raisons qu’on doit appuyer la résistance ! » Cet article daté du 23/6/1969 figure dans les annexes du livre. Ce n’est rien de moins qu’une histoire anticipée des décades de guerres et de dissensions que nous avons vécues et ne cessons de vivre.
          Outre la lucidité et en étroite relation avec elle, ce dont fait preuve Charles Hélou en cette année cruciale où le pays reste sans gouvernement du 24 avril au 25 novembre, c’est de ténacité et de fermeté. Sa « position inébranlable » empêche tout accord avec les Palestiniens et la formation d’un cabinet de compromis œuvrant dans cette direction. De la part d’un homme politique réputé pour son « style jésuite » et sans assise populaire  propre, cette conduitefrappe. Hélou a perçu le dilemme dans ses termes les plus forts : ou bien l’Etat, ou bien le consensus islamo-chrétien dans le domaine de la souveraineté. Alternative tragique : que vaut l’Etat libanais sans le consensus, que vaut un consensus qui amène la « capitulation » de l’Etat ? A l’heure où de nombreux politiques voient dans la « coordination » entre l’armée et les fedayins une solution de fait en attendant une conjoncture miraculeuse, Hélou est intraitable sur les principes : la cause palestinienne est noble et grande ; elle exige notre appui, mais « nous ne pouvons pas nous laisser imposer, sur notre territoire, une présence et une stratégie dont nous n’avons pas eu à débattre et dont nous estimons, telles qu’elles veulent se manifester chez nous qu’elles ne font pas partie (à cette étape, du moins, du conflit israélo-arabe), d’un plan efficace ni étudié. »
          Hélou n’est pas dans son combat une marionnette des chefs chrétiens dont chacun cherche, à l’approche de l’élection présidentielle de 1970, à se démarquer de l’autre. Il mène sa lutte solitaire dans les conditions les plus difficiles. Sur le plan intérieur, il a face à lui des leaders musulmans débordés par leurs appuis traditionnels ; la brèche profonde dans le pays ne sépare pas seulement les confessions, mais aussi les générations ; les idéologies nationalistes et marxistes ne cessent de se répandre dans tous les milieux et parmi les jeunes. L’hostilité arabe, gouvernementale et populaire, est grande et contraignante : militaire, économique et politique. Sur le plan international, ni l’ONU, ni la France, ni les Etats-Unis ne peuvent ou ne veulent faire quelque chose.
          Le compromis devenu obligatoire, le président de la république l’inscrit dans le cadre de deux principes : la négociation doit être le fait d’officiers libanais et s’établir sous l’égide du Commandement Arabe Unifié. Mais les « quelques jours de négociation au Caire ont été entachés par les contretemps, la malchance, voire la dérobade. » De nouveaux points apparurent dans l’accord final qui ne figuraient pas dans le texte initial. Irresponsabilité du commandant général de l’armée qui signa un document violé constamment et dès les premiers jours de novembre. En tout cas pour Charles Hélou et les divers juristes qu’il a consultés, l’accord du Caire n’est qu’un modus vivendi à caractère essentiellement militaire.
          Joe Khoury-Hélou a voulu inscrire l’homme politique libanais dans le destin d’un « Hamlet pris dans un inextricable dilemme ». Ce trait n’est pas propre au seul Hamlet et peut être ne lui appartient-il pas. Ce qui caractérise le prince du Danemark (et fait de lui un modèle), c’est l’hésitation et les tergiversations. Or elles sont à l’opposé des traits  mis au net par l’ensemble de la démonstration : la détermination de Charles Hélou. Le personnage de Shakespeare sait, mais n’agit pas. Le président du Liban sait et agit mais ne peut que limiter les dommages et ajourner l’apocalypse.