Wednesday 2 November 2016

الحوار في الفكر الغربي







     الكلام على الحوار في الفكر الغربي- دون تحديد ميدان من الميادين - واسع إلى حدّ استحالة الغوص فيه. وهو إلى ذلك عديم الجدوى لصعوبة استخلاص العبر منه. لذا يدور بحثنا بمجمله على الحوار في الفلسفة، ولن نقول الفلسفة الغربية لما في العبارة من تحصيل حاصل. الفلسفة في أساس الغرب، وهي شملت في الأصل كل العلوم، وتتماهى مع الغرب لأنها تدرك ما للحرية فيه من بعد تكويني، وتدرك استحالة نشاطها خارج "الدساتير الحرة" كما يقول هيغل.
      ولدت الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد، وشكلت ولادتها انتقالا للتداول الحر في الأمور الحياتية والسياسية إلى الميادين البحثية وامتداداً له. أدّى نشوء المدن الديموقراطية المستقلة في آسيا الصغرى(إيونيا) وجنوب إيطاليا (اليونان الكبرى)  إلى ظهور ساحات عامة تداول فيها المتساوون الأحرار مسائلَ لم تقدّم عنها المعتقداتُ القديمة والتقاليدُ الراسخة أجوبةً كافية وصالحة، فكان النقاش في التخطيط المدني، وفتح ميدان علم الفلك لجميع فئات المجتمع، و إتاحة بناء رؤى شاملة للكون والطبيعة ل"العلماء" و"الحكماء"... يولد الحوارُ طبيعيا من حرية المواطنين وتساويهم في الحق بإبداء الرأي، وهو يطرح مسألة قواعد حسم الجدال وشروطه، فاتحاً الباب أمام ضرورة الاعتماد المنهجي على العقل وضرورة تعريف العقل.
في إيونيا، كان محور البحث الفلسفي الطبيعة (فوزِس) وماهيتها وانتقالها من الفوضى إلى النظام. في اليونان الكبرى بعد ذلك، تمحصت الفلسفة في العقل مع بارمنيدس  وزينون. ولما قَدُمت الفلسفة إلى أثينا أغنى مدن اليونان وأكثرها رقيّا لجهة "ازدهار الحرية السياسية" في القرن الخامس ق. م.،  جمعت كل ما سبق من اهتمامات وزادت إليها الاهتمام بالإنسان ("إعرف نفسك بنفسك") مستفيدة من إنجازات المؤلفين المسرحيين والمؤرخين والفنانين والسفسطائيين، معايشة تجربة ديموقراطية هي من أغنى التجارب وأعمقها.
            أفضت إصلاحات كليستينس (حوالى 508 ق. م.) إلى إدخال السياسة إلى الحياة الاجتماعية الأثينية. عالج المشكلة الآتية : كيف يمكن ابتكار نظام يسمح بتوحيد الجماعات الإنسانية التي تفرّقها أوضاع اجتماعية وعائلية وجغرافية ودينية متباينة؟ ما الوسيلة لانتزاع الأفراد من ولاءاتهم القديمة والتقليدية وربطهم بمدينة متجانسة يتساوى مواطنوها ويسهمون جماعياً في إدارة الشأن العام ؟ وكان الحل في بناء مؤسسات ديموقراطية يُغني عملها المنتظم عن اللجوء إلى عبقريّة فذّة (الطاغية) كلما تأزمت اوضاع المدينة .
            أدت إصلاحات كليستينس الى تغيير جذري في النظرة الى الحيّز المديني . لم يعد تنظيم المدينة نتيجة الانتماء الى عشائر بل غدا نتيجة للتوزّع على أماكن. فالقبائل والوحدات الإدارية وقائع ترتسم على خريطة. وفي وسط هذه الخريطة تقع المدينة حيث تتمثل جميع القبائل. وفي وسط المدينة تقوم الأغورا (أي الساحة العامة) حيث يجتمع ممثلو القبائل وحيث يبحثون ويقررون سياسة المدينة . ولهذا المركز مغزى سياسي لا ديني، فهو نتيجة اختيار بشريّ. وتتعادل جميع أقسام المدينة وتتساوى في بعدها منه . لم تعد الكهنوتية نفسها تقتصر على بعض العشائر بل أمسى الكاهن موظفاً يُختار من الجسم المدني . وهكذا، "بينما كان الحكم والسياسة، في دول الشرق الأدنى، من صلاحيات التنظيم الديني، أصبح الدين ، عند الإغريق والرومان، إحدى صلاحيات التنظيم السياسي" (م. فنلي).
            تلخّص الإصلاحات السابقة بكلمتين : العلمنة والمساواة (إيزونوميا). إستقل التنظيم السياسي عن التنظيم الديني واعتبر جميع المواطنين متساوين أمام القانون. طبعا لا العلمنة كانت كاملة، إذ بقي للبيت(المفتوح على السموات والمرتبط بباطن الأرض) طابعٌ ديني، ولا المساواة كانت تامة إذ بقي خارجها النساء والأجانب والعبيد.
في هذا الجو الجديد، عاش سقراط (470-399 ق.م.) محاوراً المواطنين، وأدخل الحوار منهجاً إلى قلب الفكر الأخلاقي والمعرفي أي إلى الفلسفة. سبقه السفسطائيون الذين توافدوا من خارج المدينة إليها لتأسيس مدارس تستفيد من الديموقراطية وتجهّزها بأمضى أسلحتها: إتقان أساليب الكلام وتطوير الحجج المنطقية وذلك بغية الإقناع في المناقشة وفي الهيئات العامة. سبقوه وجايلوه، وكان مثلهم يُعطي الاهتمام الأول للمسائل الإنسانية (لا الطبيعية)، ويضع موضع التساؤل أسس المجتمع والمدينة. لكنه كان في الساحات العامة، وفي الدور، يجادلهم كما يجادل التقليديين الذين يرون في الإرث الاجتماعي ما يفي الغرض. كان يخالف الطرفين. ما أن يتم طرح مسألة بسيطة على النقاش (نرسل أو لا نرسل الأبناء إلى مدرسة جديدة لتعليم فنون السلاح، مثلا) حتى يبيّن سقراط أن الإجابة عن هذا السؤال تفترض الإجابة عن سؤال آخر يسبقه ويحدّد نتائجه. ولهذا السؤال بنية واحدة صارمة: ما الفضيلة؟ ما الشجاعة؟ ما التقوى؟...أي أن المطلوب تعريف الماهية للتوجه في مسالك الحياة.
رفض سقراط التصويت (أو الديموقراطية) منهجاً في حسم المسائل، فهو لا يثبت شيئا ولا يقارب الموضوع. رفض إطلاق الصفة "الطبيعية" على الفضائل. وواجه السفسطائيين في صلب المسائل: ليست مواضيع البحث وقفا على اصطلاح كأن نتفق فيما بيننا، تبعاً للمصالح والأهواء، على تسمية ما يشكل "العدالة" أو "الجمال". للقيم استقلالٌ عن الأفراد والجماعات، فهي تتميز بالكلية والثبات، وتفرض نفسها على الجميع، ولو عجز الفيلسوف، لسبب ما، عن إدراكها أو التعريف بها.
قام اسلوب سقراط في الحوار على مبدأ التوليد maïeutique  الذي يعتبر أن كل إنسان يحوي في ذاته مبادئ الحقّ، وأنه يكفي استجوابه بطريقة صالحة لتبيان هذه المبادئ وتظهيرها. وليست هذه الطريقة في الاستجواب سوى الجدلية dialectique  التي تفضح أوهام الخصم بواسطة تصعيد الأسئلة، وتنقل المتجادلين من الحوار إلى رؤية الماهيات وإدراك ما هو عام وحقّ.
قاد حكم الإعدام الصادر بحق سقراط بتهمتي "إفساد الشبيبة وشتم الآلهة" تلميذه أفلاطون (428-347 ق. م.) إلى رفض أسلوب الحوار مع العامة، وإلى توسيع ميدان الحوار من البنية الأخلاقية والتربوية إلى البنية السياسية. كما قاده إلى التعمّق في مبادئ كل حوار ومعرفة ووجود. ومن حسن الصدف أن تكون مؤلفات أفلاطون التي وصلتنا (كتاباته العلنية دون تعاليمه السرية) هي  على شكل حوارات. أخذت هذه الحوارات أشكالا متنوعة، وحفظت لنا طريقة سقراط في السؤال والجواب (أو عدم الجواب)، ثم خرجت شيئا فشيئا على فكر المعلم لتبني مذهبا شاملا في السياسة والمعرفة والوجود (الحوارات الكبرى). لجأ أفلاطون في مرحلة متأخرة إلى حوار مع الذات، فقام بامتحان نظرية المثل ونقدها في سبيل إنقاذها من التباسات عدة، وتعميق مبادئها، ومحاولة تحديد إمكانية تطبيقها السياسي.
يشكل فكر أفلاطون منظومة متماسكة ويتعدّى ذلك. حواراته مليئة بالاعتراضات التي يمكن أن توجه إلى مقولاته، وأخصامُه (وعلى وجه الخصوص السفسطائيون منهم مثل بروتاغوراس وكلكليس[1] وأثرسمخوس[2]...)  أقوياء في مواجهتهم إياه داخل مؤلفاته. لكن فلسفته بما هي نظام عام للوجود والمعرفة شكلت القاعدة الصلبة التي تحاورت معها سلباً وإيجاباً، مباشرةً ومواربةً، كل الفلسفات اللاحقة بدءا من تلميذه أرسطو الذي سعى إلى تفنيدها في أكثر من ميدان وصولا إلى ماركس ونيتشه اللذين قاما ب"قلب" الأفلاطونية، كما رأى ذلك هايدغر.
نضيف إلى ذلك أن الفلسفة فتحت ميدان حوار يتعدّى الزمان ويناقش فيه كل فيلسوف أياً من الفلاسفة الذين سبقوه في أي عصر من العصور وفي أي مسألة من المسائل. وللتدليل على الأمر، نأخذ نموذجين معاصرين في نقد أفلاطون وردّ الاعتبار لبيريكلس، رجل السياسة الديموقراطي الأثيني (القرن الخامس ق. م.) الذي كنّ له أفلاطون أشدّ العداء. يأخذ كاستوريادس[3]، صاحب نظرية "خلق المجتمع الدائم لذاته"[4]، جانب بيريكلس وبروتاغوراس ضد أفلاطون فهما أسسا السياسة على الإنسان فيما أسسها صاحب حوار الجمهوريةعلى الأونطولوجيا واللاهوت. يشدّد فوكو[5] على مفهوم الباريزيا parrêsia  اليوناني الذي يمكن نقله إلى العربية بعبارتي الكلام الحق dire-vrai وصراحة القول franc-parler. نجد هذا المفهوم في الخطب الثلاث الرئيسية لبيريكلس(495-429 ق. م.)[6]. ولهذا التصوّر أبعاد أربعة: تساوي جميع المواطنين في الديموقراطية وحقّ كل منهم بالتعبير عن رأيه؛ سطوة ascendant قادة السياسة والرأي؛  الكلام الحقّ بما هو إحالة référence إلى  الحقيقة ؛ شجاعة الكلام الصريح في المواجهة وداخل الصراع. وبدون البعدين الأخيرين المعرفي والأخلاقي، لا إمكانية لقيام حكم ديموقراطي.
---
في الفلسفة المعاصرة، ومع " المنعطف الألسني linguistic turn " وبموازاته، صار للحوار، بصوَرِه الاجتماعية والعلمية والفلسفية، أبعاد أساسية معرفية وأخلاقية،  لا بل غدا منهجاً ضروريا لتوحيد المجتمعات الحديثة[7]، ولإعادة ترميم العقل، ولردّ العقل إلى مركز صدارته في الفكر الفلسفي. من هذه المنطلقات، تحوّل الحوار (ويشار إليه أيضاً بعبارات "التواصل" و"الفعل التواصلي" و"النقاش"...) إلى موضوع بحث وإلى مرتكز يفرض الخوض في ماهيته وشروطه وقواعده وإملاءاته. أخذ "المنعطف الألسني" شكلين بالغي الاختلاف، واحدهما تأويلي مع هايدغر وغوادامير، وثانيهما لغوي مع فتغنشتاين وأوستن وسيرل، ولكن الشكلين – اللذين يعطيان للغة وأفعالها دوراً حاسماً بين المجردات والأشياء، وعلى حسابها-  تقاربا عند نقطة مهمة: قاد الانتقال من فلسفة الوعي إلى فلسفة اللغة langage  إلى قبلية المعنى a priori du sens على حساب إثبات الوقائع. [8]  فكانت فكرة اعتماد الحوار، عبر منظور معين، لاستعادة الكلية والعقل والحقيقة وهو ما أطلق عليه آبل Apel  وهابرماس تسمية "أخلاقيات النقاش".
لما كان التواصل بين شخصين فعلاً له أوجه ثلاثة: (1) هو يروم التفاهم (2) مع أحدهم (3) حول موضوع، قامت أخلاقيات المناقشة على أربعة افتراضات أساسية :
أولا: ضرورة توافر المعقولية في النقاش، وهو ما يتحقق بتركيب الجمل تركيبا صحيحا يحترم قواعد اللغة المستخدمة.
ثانيا: إحالة محتوى الكلام إحالة صائبة إلى الوقائع المذكورة.
ثالثا: مصداقية الكلام، باعتباره وظيفة لإقامة علاقة مستقيمة ما بين الأشخاص، وتفترض هذه المقولة تطابق الفعل اللغوي مع مستلزمات خطة معيارية معترف بها من قِبَل المجتمع.
رابعا: صدقية ما يُقال بالقدر الذي يسمح به للمتحدث بالتعبير عن نوايا محددة بطريقة صادقة بعيدة عن الكذب والتضليل.
لا يمكننا الدخول هنا في تفاصيل "أخلاقيات النقاش"، وليس الأمر سهلا أصلا، عدا أن النظرية هذه ما زالت قيد الإغناء. نكتفي بالقول إنها في نقطة التقاء اهتمامين:
يسعى الأول إلى التأكيد على "العقلانية التواصلية" المتمايزة عن "العقلانية الأداتية" التي تكلم عليها ماكس فيبر والتي تقيس فاعلية الوسائل في خدمة أهداف سبق تحديدها. "العقلانية التواصلية" تقيم نقاشا حول القيم ذاتها وتسعى إلى تعريفها وإقامتها على أسس صلبة وجامعة.
يسعى الثاني إلى إعادة الاعتبار لأخلاقيات كنط  انطلاقا من تحويلها عبر البراغماتية. يصوغ كنط الأمر المطلق أو القانون الأخلاقي على الشكل الآتي: "إفعل فقط وفقاً للقاعدة التي من شأنها أن تجعلك تقدر أن تريد في الوقت ذاته أن تصير هذه القاعدة قانوناً كلياً". يصبح هذا المبدأ في "أخلاقيات المناقشة": "وحدها يمكن أن تكون سليمة القيم القادرة على الحصول على موافقة جميع الأطراف المهتمة، بما هي مشارِكة في نقاش عمل". نكون قد خرجنا بهذه الطريقة من "الانزواء الترانسندنتالي" إلى التواصل الخارجي دون فقدان الموضوعية. كذلك يصوغ هابرماس القاعدة الكنطية في مبدأ ثانٍ يمكن تبسيطه على الشكل الآتي: يجب أخذ مصالح الأشخاص المتأثرين بالقاعدة قيد النقاش بعين الاعتبار، وكذلك يجب إيلاء أهمية لأحكام هؤلاء الأشخاص على المسألة ذاتها. وهكذا تكون الكلية عند هابرماس لاحقة للنقاش، وليست قبلية سابقة عليه كما عند كنط.
يدرك هابرماس أن فكرَه صالحٌ لتجمع مثالي يمكن أن تتحقق فيه الأخلاق تحققا كاملا. يبقى أن هدف "أخلاقيات النقاش" تقريب النقاشات الواقعية من المثال، وتجنيبها البلاغة والسفسطة. وهكذا لا نكون قد ابتعدنا كثيرا عن حوارات سقراط في القرن الخامس. لكن الحقيقة لم تَعُد ملكَ طرفٍ واحد من 
.الأطراف المتناقشة.
ألقيت هذه المداخلة في مؤتمر فن الحوار الذي نظمه المركز المدني للمبادرة الوطنية ومؤسسة فردريش إيبرت في أوتيل فينيسيا في 18 و19 تشرين الأول 2016.


[1] في حوار جورجياس؛
[2] الجمهورية، الكتاب الأول.
[3] Cornelius Castoriadis: La cité et les lois, Ce qui fait la Grèce, 2, Séminaires 1983-1984, Seuil, 2008.
[4] L'autocréation permanente de la société
[5] Michel Foucault: Le courage de la vérité, Le gouvernement de soi et des autres II, Cours au Collège de France. 1984, Gallimard Seuil 2009.
[6] كما وردت في تاريخ توقيديدس لحرب البلوبونيز.
[7] يرى هابرماس أن مفهوم الفضاء العموميespace public يمكنه وحده، داخل البنى المعقّدة لمؤسسات الحداثة ، " توحيد ما هو مختلف دون تسطيح الاختلافات" وتشكيل لبّ الديموقراطية والعمل على الاندماج الاجتماعي.

[8] Habermas: Vérité et justification, Gallimard, 2001, p. 12.

Tuesday 1 November 2016

DU ROMAN COMME TRAGÉDIE DE LA SÉPARATION





Carole Bouquet et Lambert Wilson dans une interprétation de Bérénice 
Nathalie Azoulai: Titus n’aimait pas Bérénice, roman, P.O.L., 2015, 320 pp.

La séparation et l’amour sont au cœur de la condition humaine

          Un an après sa parution et l’attribution du prix Médicis (2015), le roman de Nathalie Azoulai, Titus n’aimait pas Bérénice, garde entier son attrait. Il le doit à l’originalité de son parti pris, narrer un chagrin d’amour contemporain par le recours à la tragédie de Racine, intégrer la pièce dans la destinée du dramaturge, saisir l’occasion pour raconter lestement une vie déchirée, ambitieuse, glorieuse. Il le doit aussi à son style attrayant, ayant retenu les leçons de son sujet, ne cessant de lui coller, de rester juste tout en étant imagé et savoureux… Les sensations gustatives, du miel particulièrement, y tiennent une place éminente.
          Du chagrin d’amour de la narratrice, il est question dans les premières et dernières pages et dans un chapitre inséré au milieu, ou presque, de l’ouvrage. Titus quitte Bérénice pour ne pas quitter Roma, son épouse légitime, la mère de ses enfants. Depuis longtemps il a cessé de l’aimer, mais il reconnaît son courage et sa compréhension et ne veut pas tout détruire. Malgré lui, malgré elle : ces mots de Suétone avaient inspiré la tragédie de Racine. Celui-ci en a tiré des vers uniques qui ont su modeler le malheur des amoureuses de France, non sans un risque de pose érudite. De l’anecdote actuelle à l’œuvre classique, ce qui prévaut encore et toujours, c’est la séparation. « Vous êtes au cœur de la condition humaine, ses désirs, sa solitude » sans le besoin d’une goutte de sang. Qui pourrait mieux la décrire, la comprendre, l’expliquer que cet auteur tragique « acharné » « contre la réciprocité » dans la construction de ses personnages (chacun aime celui dont il n’est pas aimé) et dont la vie entière est une suite de séparations ?
          Tout au long du roman, l’auteure le prénomme Jean ; ses amis sont  François ou Nicolas (Boileau), son amante Marie (La Champmeslé), sa femme Catherine, mais ses professeurs Hamon, Lancelot, Le Maître…C’est de bonne politique pour le dégager d’une histoire littéraire solennelle, pour rendre proche le personnage sans pompe ni familiarité, pour le montrer sans prétention excessive de l’intérieur et de l’extérieur. Cela aide Azoulai à faire une biographie vivante et libre, à choisir ce qui l’intéresse et enrichit son propos, ce qui dramatise le récit et approfondit les analyses. Dans sa prose, dans son roman, on ne peut s’empêcher de voir retenues les leçons de l’auteur d’Andromaque et c’est ce qui captive et apaise dans la lecture de l’ouvrage.
          Jean perd sa mère à deux ans et son père peu après. Il est proche de sa jeune tante qui devient moniale à l’abbaye de Port-Royal des Champs et qu’il suit à l’âge de dix ans. En peu de lignes, l’humidité, l’insalubrité, la solitude  du vallon, à 20 kilomètres du futur Versailles, sont décrites. Puis ce sont les apprentissages qui se succèdent : la connaissance de la nature, du corps et sang humains, des textes latins et grecs dans une atmosphère austère et rigoureuse. Les passages (plutôt des scènes animées) les plus délectables sont consacrés à l’apprentissage de la musique des mots, de la poésie, du français dans sa différence avec les « langues mortes » bien plus concises. C’est dans les traductions de Virgile surtout que le génie de Jean se dévoile, voulant faire aussi dense, aussi compact que le poète latin, jouant avec la syntaxe, maniant l’ellipse, apprenant à porter l’implacable logique dans les vers mêmes. Puis l’abbaye devient un carcan étroit : « mes maîtres m’enseignent ce qu’ensuite ils m’interdisent. » Sa tante lui demande : « Vous avez choisi la poésie contre Dieu ? »
          La vie parisienne et surtout les faveurs et l’attention du roi, deviennent sa principale préoccupation. Son arme principale pour les conquérir est la tragédie. Or elle ne se donne jamais plus de 20 fois et trois théâtres se partagent le monopole. La place est occupée par les 2 frères Corneille et le dépassement de Pierre devient son obsession. Bérénice en un sens le lui permet.
          Nous n’irons pas plus loin dans la relation de cette vie faite de succès et déconvenues théâtraux et d’un retour à Port-Royal causant la colère du roi dont Jean est devenu l’historiographe. Azoulai trouve les mots appropriés pour parler de l’alexandrin, du rapport de la tragédie et de l’amour, de la syntaxe singulière de Racine. Elle pose en plus d’un endroit la question du génie féminin de Jean. Surtout elle réussit une architecture du roman faite de symétrie et de dissymétrie pour clore par le rangement simultané des livres et la fin du chagrin d’amour.

 « Instruire et plaire » : si le dessein est tel, il est accompli.